أصبحت المسائل المتعلقة بالضرائب الدولية على رأس قائمة أولويات الأجندة السياسية على مستوى العالم، وذلك نظراً للزيادة الملحوظة فى تكامل الاقتصاديات والأسواق، وهو الأمر الذى يُمثل ضغطاً على القواعد الضريبية الدولية المطبقة حالياً. حيث تخلق الثغرات ونقاط الضعف الموجودة فى القواعد الضريبية الدولية فرصاً لتآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح، مما تطلب اتخاذ خطوات حاسمة من جانب صُناع السياسات لاستعادة الثقة فى النظام الضريبى الدولى وضمان بدء تنفيذ هذه الإجراءات حتى يمكن فرض ضرائب على الأرباح حيث تُمارس الأنشطة الاقتصادية.

وبالرغم من أن مصر ليست إحدى الدول الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) الا أن “التعليمات الإرشادية لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بشأن تسعير المعاملات الخاصة بالشركات متعددة الجنسيات والإدارات الضريبية” الصادرة فى يوليو ٢٠١٧ تعد النموذج الأساسى المقبول عالمياً الذى تتبعه الدول الأعضاء فى المنظمة فضلًا عن عدد كبير من الدول غير الأعضاء فيها.

نظرًا لأن مبدأ تسعير المعاملات لا يتعلق بقواعد جامدة، بل يخضع للتقدير ومدى إمكانية إيجاد إجابات على الأسئلة المتعلقة به، لذلك فإن الهدف الرئيسى لممول الضريبة يجب أن يتمثل فى تقديمه بيانات ومستندات مستوفاة للمصلحة لإثبات أن معاملاته يتم تسعيرها على أساس السعر المحايد.

ويجب التأكيد على أنه فى حالة توافر المستندات التى تثبت قيام ممول الضريبة ببذل الجهد اللازم لوضع أسعار لمعاملاته وفقًا لمبدأ السعر المحايد، فإن نطاق الفحص الضريبي لتلك المعاملات سوف يكون أقل حيث تمثل هذه الحالات درجة مخاطرة ضريبية منخفضة، أما إذا أوضحت المستندات المقدمة للمصلحة من قبل ممول الضريبة أنه لم يعطِ الاهتمام الكافى لقواعد تسعير معاملاته فإنه يخضع لفحص ضريبى أكثر عمقاً. لذلك على الممولين إعداد وإمساك الدفاتر والمستندات اللازمة التى توضح أن تسعير معاملاتهم يتم وفقاً لمبدأ السعر المحايد، بحيث يمكن للمصلحة تحديد مدى التزام الممول فى هذا الشأن.

أقرت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى سبتمبر ٢٠١٣ خطة عمل تضم ١٥ إجراءً لمعالجة مشكلة تآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح، وهذه الخطة قائمة على ثلاثة مبادئ رئيسية هى: تضمين القواعد المحلية المتعلقة بالأنشطة عبر الحدود مبدأ الارتباط المنطقى، والتأكيد على مبدأ الجوهر وتعزيز مبدأ الشفافية.

كما أن الإجراء ١٣ من خطة العمل بعنوان “إعداد مستندات تسعير المعاملات بما فيها إعداد تقرير على مستوى كل دولة على حدة CbCR يهدف الى اتباع إرشادات محدثة حول الشروط الواجب توافرها فى مستندات تسعير المعاملات والتى اعتمدتها فيما سبق التعليمات الإرشادية الخاصة بتسعير المعاملات للمنظمة لتعزيز المبادئ الرئيسية الثلاثة لمشروع تآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح. لذلك تم إصدار إرشادات محدثة حول مستندات تسعير المعاملات ومنها “إعداد تقرير على مستوى كل دولة على حدة CbCR لتعزيز الشفافية مع الأخذ فى الاعتبار تكاليف الالتزام.

وقامت المنظمة عام ٢٠١٦ بوضع إطار عمل شامل لمتابعة وتنفيذ توصيات مشروع تآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح، ويتيح إطار العمل الفرصة لكافة الدول غير الأعضاء بالمنظمة والراغبة فى المشاركة بالمشروع ويضعها على قدم المساواة مع الدول الأعضاء. وقد حددت الدول الأعضاء أربعة معايير أساسية يجب تطبيقها كحد أدنى فى إطار العمل لتنفيذ مشروع تآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح، وتتمثل هذه المعايير الأربعة فى تنفيذ الإجراءات 5و 6 و 13 و 14

وقامت مجموعة الدول الأعضاء في الإطار الشامل لمشروع تآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح “Inclusive Framework” بوضع آلية لمتابعة المشروع وذلك لضمان تطبيقه بفعالية. وفى الوقت الحالى وصل عدد الدول الأعضاء المشاركة فى الإطار الشامل إلى أكثر من ١١٥ دولة من بينها مصر.

مبادئ تسعير المعاملات ومنهج التطبيق:

يعد الهدف الرئيسى لأى منشأة هو تعظيم أرباحها، وبالمثل فان الهدف الرئيسى لمجموعة الأشخاص المرتبطة هو تعظيم إجمالى الأرباح (بعد الضرائب) التى تحققها المجموعة ككل بغض النظر عن نصيب كل من أشخاص المجموعة فى هذا الربح، ويعتبر تجنب أو تخفيض الضريبة المستحقة على الدخل أحد الأساليب التى تستخدمها بعض المنشآت لتحقيق هدف تعظيم الربح، لذلك فإن المعاملات المالية والتجارية التى تتم بين الأشخاص المرتبطة قد تتم بأسعار تختلف عن السعر المحايد بهدف نقل العبء الضريبى من منشأة لأخرى أو من دولة لأخرى بما يحقق هدف تعظيم الربح. لذلك فإن تطبيق مبدأ السعر المحايد يهدف إلى إزالة أى تأثير لعلاقة الملكية بين الأشخاص المرتبطة على الطرق المتبعة لتسعير معاملاتهم، لذلك تتوقع المصلحة أن يحقق كلا من الأشخاص المرتبطة فى أى معاملة بينية دخلاً يتناسب مع الوظائف التى يؤديها فى المعاملة آخذاً فى الاعتبار الأصول المستخدمة والمخاطر المصاحبة للمعاملة.

العوامل المؤثرة على المعاملات بين الأشخاص المرتبطة:

فى الأسواق المفتوحة تتحدد أسعار السلع والخدمات بناء على قوى السوق، لذلك عندما تتعامل الأشخاص المستقلة مع بعضها البعض تحدد قوى السوق شروط علاقاتهم التجارية والمالية. وهذا هو سبب أنتعريف الأشخاص المرتبطة فى المادة ١ من القانونيؤكد علي أن الشخص المرتبط هوكل شخص يرتبط بممول الضريبة بعلاقة تؤثفى تحديد وعاء الضريبة. وقد يكون ذلك فى أي من الحالتين: إما أن تلك المعاملات تتم بين أشخاص يساهم أحدها بشكل مباشر أو غير مباشر فى إدارة المنشأة أو السيطرة عليها أو المساهمة فى رأس مالها ، أو أن نفس الأشخاص يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر فى إدارة منشأتين أو أكثر أو السيطرة عليها أو المساهمة فى رأس مالها.

ويوجد نوعين من العوامل المؤثرة على تحديد أسعار المعاملات عند إجراء المعاملات بين الأشخاص المرتبطة وهى:

  • العوامل الضريبية: عندما تقوم الأشخاص المرتبطة بتسعير معاملاتها بشكل يمكن أن يؤدى إلى تجنب أو تخفيض الضريبة.
  • العوامل غير الضريبية: هناك بعض العوامل التى قد لا تتعلق بأغراض ضريبية وأهمها:
  • صعوبة قيام الأشخاص المرتبطة بتحديد السعر المحايد بدقة فى ظل غياب قوى السوق.
  • الاستراتيجية التجارية التى تنتهجها الأشخاص المرتبطة، على سبيل المثال، عند إدخال منتج إلى سوق جديدة، قد تفرض الشركة مؤقتاً سعراً أقل من السعر العادى للسوق لكى تخلق سوقاً لهذا المنتج.
  • القيود التى تفرضها بعض الدول على تحويل الأرباح أو رؤوس الأموال.
  • أسعار التعريفة الجمركية ورسوم مكافحة الإغراق.
  • التغيرات فى أسعار صرف النقد الأجنبى.

مبدأ السعر المحايد:

هو السعر الذى يتم بمقتضاه التعامل بين شخصين غير مرتبطين أو أكثر، ويتحدد وفقاً لقوى السوق وظروف التعامل.

ويعد المبدأ المتعارف عليه دولياً والذى اتفقت الدول الأعضاء بالمنظمة على اتباعه لتحديد أسعار المعاملات لأغراض الضريبة والذى تضمنته المادة التاسعة من نموذج المنظمة بشأن اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبى والتى تنص على أنه: “إذا وضعت شروط بين شخصين مرتبطين فيما يخص علاقاتهما التجارية أو المالية تختلف عن تلك الشروط التى توضع بين شخصين مستقلين، فإن الأرباح التى كانت ستتحقق لأحد الشخصين فى حالة عدم وجود تلك الشروط، ولكن لم تتحقق بسبب تلك الشروط يجوز إدراجها ضمن أرباح ذلك الشخص وبالتالى إخضاعها للضريبة”

أسباب اتباع مبدأ السعر المحايد:

  • يعد هذا المبدأ أكثر الطرق التى يمكن الاعتماد عليها فى الوقت الحالى عند تحديد الوعاء الضريبى للمعاملات البينية لأى منشأة مصرية.
  • تعتبر طريقة السعر المحايد هى الطريقة المتعارف عليها دولياً والتى تقلل احتمالات حدوث ازدواج ضريبى.

منهج تطبيق مبدأ السعر المحايد:

  • تحديد المعاملات البينية وفهم طبيعتها
  • اختيار أنسب طريقة لتسعير المعاملات
  • تطبيق طريقة التسعير المختارة
  • تحديد قيمة السعر المحايد وإجراء عملية مراجعة لمعالجة أى تغيرات مستقبلية

الخطوةالأولى: تحديد المعاملات البينية وفهم طبيعتها:

الخطوة الأولى التى ينبغى على ممولى الضريبة اتباعها هى تحديد معاملاتهم مع الأشخاص المرتبطة وفهم طبيعتها فهماً جيداً من خلال تحليل العناصر التالية:

  • نطاق المعاملة البينية والذى يمثل حجم الأنشطة التى تشملها هذه المعاملة وخصائصها.
  • توع المعاملة البينية والمتمثل فى العناصر المكونة لتلك المعاملة وتشمل على سبيل المثال: الأصول المادية والمعنوية، والخدمات، والفوائد، والتأمين، والقروض (فائدة وبدون فائدة).
  • توقيت المعاملة أى تاريخ إتمامها وعدد مرات تكرارها.
  • التكاليف والعوائد المتوقعة بالنسبة لكلا من ممول الضريبة والأشخاص المرتبطة نتيجة إجراء تلك المعاملة.
  • شروط التعاقد الخاصة بالمعاملة مع ملاحظة أنه فى حالة وجود اختلاف بين الشروط الواردة بالعقد والممارسة الفعلية لأطراف المعاملة عند التنفيذ فيجب تحليل طبيعة المعاملة فى ضوء أسلوب التنفيذ الفعلى.
  • أطراف المعاملة وطبيعة علاقتهم بممول الضريبة.
  • الهياكل التنظيمية الخاصة بكل من ممول الضريبة ومجموعة الأشخاص المرتبطة ككل.
  • أهداف ممول الضريبة والسياسات والخطط والاستراتيجيات التى يتبعها وكذلك أداؤه المالى.
  • طبيعة كل من الصناعة والسوق الذى يقوم من خلالهما ممول الضريبة بممارسة نشاطه، وتتضمن على سبيل المثال موقع السوق، وحجمه، ومدى استقراره، ودرجة المنافسة فيه، والقوة الاقتصادية للموردين والعملاء، ومرونة الدخول إلى السوق والخروج منه، وحصة ممول الضريبة فى السوق، والسياسات الحكومية، وأسعار الصرف

بالإضافة إلى ما سبق يجب على ممول الضريبة إجراء تحليل مبدئى للوظائف لتحديد ما يلى:

  • الوظائف التى يؤديها كل طرف من أطراف المعاملة البينية، متضمناً تقييم الأهمية الاقتصادية لهذه الوظائف.
  • المخاطر الاقتصادية المؤثرة التى يتحملها كل طرف من أطراف المعاملة.
  • الأصول التى يستخدمها كل طرف من أطراف المعاملة.

بناء على هذا التحليل سوف يتمكن ممول الضريبة من تحديد ما يلى:

  • مساهمته الاقتصادية فى مجموعة الأشخاص المرتبطة.
  • الأهمية الاقتصادية للوظائف التى يؤديها، وكيفية تأثير هذه الوظائف على السعر أو الربح.
  • المعاملات المستقلة المماثلة القابلة للمقارنة سواء التى يقوم بها ممول الضريبة أو التى تتم بين أشخاص مستقلة.

الخطوة الثانية: اختيار أنسب طريقة (طرق) لتسعير المعاملات:

ينبغى على ممولى الضريبة فى هذه الخطوة اختيار طريقة أو أكثر من طرق تسعير المعاملات والتى تهدف إلى تحديد السعر المحايد لمعاملاتهم، ويهدف اختيار طريقة تسعير المعاملات دائماً إلى”إيجاد أنسب طريقة تسعير لحالة بعينها” ، لذلك يجب أن تراعى عملية اختيار طريقة التسعير الاعتبارات التالية:

  • نقاط القوة والضعف لطريقة(طرق) التسعير المعمول بها.
  • مدى ملاءمة الطريقة المختارة والمحددة فى ضوء طبيعة المعاملة البينية والتى تم التوصل إليها من خلال تحليل الوظائف.
  • توافر معلومات موثوق بها (بالتحديد عن معاملات مستقلة) واللازمة لتطبيق طريقة التسعير المختارة أو طرق أخرى.
  • درجة التماثل/ قابلية المقارنة بين المعاملات البينية والمستقلة بما فى ذلك مدى الثقة في التسويات المحققة للتماثل / قابلية المقارنة والتى قد تكون ضرورية لاستبعاد أثر الفروق الجوهرية بين المعاملات البينية والمستقلة.

يراعى عند تطبيق هذه الخطوة ضرورة قيام الممولين بتقييم حجم ودرجة مصداقية البيانات المتاحة عن المعاملات المماثلة المستقلة، وذلك نظراً لأن طرق التسعير المختلفة تتطلب توافر أنواع مختلفة من البيانات.

الخطوة الثالثة: تطبيق طريقة (طرق) التسعير المختارة:

على ممولى الضريبة فى هذه المرحلة الانتقال من تحليل الوظائف المبدئى الذى تم إجراؤه فى الخطوة الأولى إلى إجراء تحليل تفصيلى لدرجة التماثل / قابلية المقارنة، وعلى ذلك تتوقع المصلحة أن ترى فى هذا التحليل مزيد من المقارنات والعوامل المحددة لدرجة تماثل / قابلية مقارنة المعاملة المستقلة المختارة كأساس للمقارنة بالمعاملة البينية محل الدراسة.

ويجب أن ينتج عن هذه الخطوة تحديد الفروق الجوهرية بين المعاملة البينية والمعاملة المستقلة المختارة كأساس للمقارنة وإجراء التسويات اللازمة، وهو ما يؤدى بدوره إلى الوصول إلى نتائج مقبولة يمكن الاعتماد عليها لتسعير المعاملات. على أنه يمكن لممولى الضريبة – من أجل الحصول على نتيجة يمكن الاعتماد عليها بدرجة أكبر لتسعير معاملاتهم- استخدام البيانات المجمعة لمجموعة الأشخاص المرتبطة إذا تطلب الأمر ذلك. كما يمكنهم تطبيق أكثر من طريقة تسعير إذا كان استخدام طريقة تسعير واحدة لا يؤدى للوصول إلى نتيجة قاطعة، وكذلك يمكنهم إجراء تحليل درجة التماثل / قابلية المقارنة على مدار عدد من السنوات… الخ.

الخطوة الرابعة :تحديد قيمة السعر المحايد وإجراء عملية مراجعة لمعالجة أى تغيرات مستقبلية:

بناء على الخطوات السابقة يمكن لممول الضريبة التوصل إلى قيمة السعر المحايد بالنسبة لمعاملاته البينية، وينبغى على ممولى الضريبة – نتيجة لظروف السوق دائمة التغير – عدم الاستمرار فى استخدام طريقة التسعير المطبقة فى الخطوة السابقة لفترة طويلة دون إجراء مراجعة كل فترة لمدى صلاحية كل من الطريقة المتبعة والبيانات المستخدمة فى خطوات التسعير الموضحة فيما سبق. لذلك ينبغى على ممولى الضريبة إجراء مراجعات دورية للتطورات التى يمكن أن تحدث، وتقييم أثرها على كل من معاملاتهم البينية والمعاملات المستقلة المتخذة كأساس للمقارنة فى الخطوات السابقة. وبناء على ذلك يتم إجراء التسويات اللازمة إذا كان لهذه التطورات تأثير جوهرى على إمكانية الاعتماد على البيانات أو مدى صلاحية الطريق المطبقة لتسعير المعاملات.